اهتم الناس قديما وحديثا بالشعر حتى قالوا أن أبانا آدم عليه السلام قال شعرا !
إذا فالشعر قديم قدم الإنسان يرافقه فى فرحه وفى حزنه فى شقاءه وفى سعادته فى حربه وفى سلمه لهذه الأهمية أردنا أن نضع هذه المقدمة فى تعريف الشعر والشاعر وأنواع الشعر وصناعته .
تعريف الشعر :
معظم الناس يعرف الشعر بأنه كلام موزون مقفى ولكن هذا التعريف ناقص لماذا :
يقول ابن رشيق القيرواني فى كتابه العمدة فى محاسن الشعر وآدابه ونقده :
وحد الشعر : يقوم بعد النية من أربعة أشياء :اللفظ ، الوزن ،المعنى ،القافية .
إذا لابد من اعتبار القصد والنية عند المتكلم أنه يقول شعرا
لأن ليس كل كلام موزون مقفى يعتبر شعرا .
فقد يقع بعض كلامنا على وزن من أوزان الشعر اتفاقا بلا قصد منا فلا يقال عليه حينئذ أنه شعر ولا على قائله أنه شاعر .
ومن الأمثلة الواضحة على ذلك :
وقوع بعض آيات القرآن على وزن من أوزان الشعر وكذلك بعض أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم اتفاقا بغير قصد منه صلى الله عليه وسلم .
فلايقال على القرآن الكريم أنه شعر ولا على النبى صلى الله عليه وسلم أنه شاعر وحاشاه .
تعريف الشاعر وأنواع الشعراء :
الشاعر هو : الذى يشعر بما لايشعر به غيره .
قال ابن رشيق : والشعراء أربعة : شاعر خنذيذ وهو الذى شعره جيد ويروى عن غيره الجيد أيضا ، وشاعر مفلق بكسر اللام وهو الذى لارواية له ولكن شعره جيد .
وشاعر فقط وهو فوق الردئ بدرجة ، وشعرور وهو لاشئ .
قال بعض الشعراء لآخر يهجوه :
يارابع الشعراء كيف هجوتنى وزعمت أنى مفحم لا أنطق
حاجة الناس إلى الشعر :
يقول الاستاذ عباس محمود العقاد :
اعلم أن الشعر لاغنى عنه وأنه باق ما بقيت الحياة وإن تغيرت أساليبه وتناسخت أوزانه وأعاريضه ، لأنه موجود حيثما وجدت العاطفة الإنسانية ، ووجدت الحاجة إلى التعبير عنها فى نسق جميل وأسلوب بليغ .
يقول شاعرنا المازنى :
وما الشعر الا صرخة طال حبسها يرن صداها فى القلوب الكواتم
ويقول أيضا :
وفى الشعر للمفؤود سلوى وأنه ليغنيه عن صوب الدموع السواجم
أنواع الشعر وقواعده :
أفضل بيت شعر قالته العرب :
بيت أبى ذؤيب الهذلي وهو من شعراء المفضليات :
والنفس راغبة إذا رغبتها وإذا ترد إلى قليل تقنع
من قصيدة رائعة له يرثى بها أولاده فى كتاب المفضليات للمفضل الضبى ، قال الشيخ أحمد شاكر فى تعليقه على الكتاب عن هذا البيت : أنه فى الذروة العليا من الشعر .
صناعة الشعر :
للشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم كسائر أصناف العلم بكثرة المدارسة وحفظ الاشعار الجيدة يحصل بها ملكة فى نقد الشعر وتمييز جيده من رديئه .
وصناعة الشعر ترجع إلى قسمين وهما:
الطبع والصناعة ، فمن الشعراء من يقول الشعر بطبعه من غير أن يتعلم الأوزان ولا يعرف التكلف فى الألفاظ ولا المبالغة فى التشبيهات يجرى معه الشعر سهلا بطبيعته .
ومن عجيب ذلك ماقيل أن النابغة الذبيانى قال الشعر فجأة وهو كبير بطبيعته لذلك سمى النابغة .
والشعر المصنوع : يقصد به معنيين ، إما أن الشاعر يتقن بنية شعره ويحكم عقد القوافى ويجعل الكلام متلاحما ويحسن نسقه وترتيبه وربما يظل يفعل ذلك مدة طويلة ومن ذلك ما يسمى بقصائد الحوليات فهذا قد يطلق عليه أنه مصنوع وليس بعيب فيه من هذه الناحية التى ذكرناها .
أو أنه يتكلف عمل الشعر حتى لو التزم القواعد التى وضعها العلماء بالشعر ، ويبالغ فى التشبيهات و تزويق الألفاظ وليس له من الطبع نصيب .
فهذا يقال عنه أنه مصنوع وهو عيب من هذه الناحية لأنه ليس فيه ذوق ولا حس .
الختام :
ونختم بهذه الجزء من القصيدة الرائعة للشاعر ابراهيم عبد القادر المازني نهديها لاصحاب الذوق الرفيع في الشعر العربي .
جزء من قصيدة : الشاعر المحتضر أو مرثية شاعر :
- يرى من ستور الغيب حتى كأنما = يطالع في سفرٍ جليل المراقم
- له خاطرٌ يقظان ليس بنائم = يجيش بأصداف اللآلي الكرائم
- وروحٌ كأن الكون من فرط رحبها =بها قطرةٌ في زاخرٍ متلاطم
- ولحظٌ كأن البرق ريش سهامه =يضيء حواشي كل أغبر قاتم
- ولفظ كضوء الشمس في مثل سيرها = يسح بفيض العقل سحّ الغمائم
- كأن رياضاً في مثاني حروفه = أرجْن بأنفاس الثغور البواسم
- يحمل خفاق النسيم حديثه = ويركبه ظهر الرياح الهواجم
- فتجريه في أفواف كل خميلةٍ = وتنشده بين الربى والمخارم
- وتلقيه أنداءً على الزهر سحرةً = وتوحيه سجعاً في صدور الحمائم
- وترسله في الجو صرخة آيسٍ =يجاوبها قصف الرعود الغواشم
- وتطلعه فجراً على الناس واضحا = يريهم سبيل الحق بادي المعالم
- وما الشعر إلّا صرخة طال حبسها = يرن صداها في القلوب الكواتم
- يرقرق أنداء العزاء على الأسى = ويضرم طوراً خامدات العزائم
- وفي الشعر للمفؤود سلوى وأنه = ليغنيه عن صوب الدموع السواجم
المصادر :
- كتاب العمدة فى محاسن الشعر وآدابه ونقده لابن رشيق القيرواني
- كتاب مطالعات فى الكتب والحياة لعباس محمود العقاد
موضوع رائع جدا بالتوفيق إن شاء الله
ردحذفنتمنى أن تتكلم عن شعر الهجاء ومن هم اشهر شعراء الهجاء
ردحذفمفيد جدا
ردحذف